فصل: قال أبو البقاء العكبري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.البلاغة:

في قوله: {الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون} مقابلة أتت على أحسن وجه وأنظمه أي إذا كان الكيل من جهة غيرهم استوفوه وإذا كان الكيل من جهتهم خاصة أخسروه سواء باشروه أو لا، فالضمير لا يدل على مباشرة ولا إشعار أيضا بذلك والذي يدلك على أن الضمير لا يعطي مباشرة الفعل إن لك أن تقول: الأمراء هم الذين يقيمون الحدود لا السوقة لست تعني أنهم يباشرون ذلك بأنفسهم وإنما معناه أن فعل ذلك من جهتهم خاصة، قيل كان أهل المدينة تجّارا يطففون وكانت بياعاتهم المنابزة والملامسة والمخاطرة فنزلت فخرج رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقرأها عليهم وقال: «خمس بخمس» قيل: يا رسول اللّه: وما خمس بخمس؟ قال: «ما نقض قوم العهد إلا سلّط اللّه عليهم عدوهم، وما حكموا بغير ما أنزل اللّه إلا فشا فيهم الفقر، وما ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت، ولا طففوا الكيل إلا منعوا النبات وأخذوا بالسنين، ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم القطر».
وقيل نزلت في رجل يعرف بأبي جهينة ومعه صاعان يكيل بأحدهما ويكتال بالآخر، أي يأخذ بواحد ويعطي بآخر.

.[المطففين: الآيات 14- 36]

{كَلاَّ بَلْ رانَ على قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يومئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الجحيم (16) ثُمَّ يُقال هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (17) كَلاَّ إِنَّ كتاب الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ (19) كتاب مرقوم (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21) إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) على الْأَرائِكِ ينظرون (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) ختامه مسك وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ (26) وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28) إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ (30) وَإِذَا انقلبوا إِلى أَهْلِهِمُ انقلبوا فكهين (31) وَإِذا رَأَوْهُمْ قالوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ (32) وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ (33) فَالْيوم الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) على الْأَرائِكِ ينظرون (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (36)}.

.اللغة:

{رانَ} غلب وأحاط وغطى تغطية الغيم للسماء وفي المختار:
الرين الطبع والدنس يقال ران ذنبه على قلبه من باب باع وريونا أيضا غلب وقال أبو عبيدة: كل ما غلبك فقد ران بك ورانك وران عليك ورين الرجل إذا وقع فيما لا يستطيع الخروج منه ولا قبل له به.
وعبارة الزمخشري: {ران على قلوبهم}: ركبها كما يركب الصدأ وغلب عليها وهو أن يصرّ على الكبائر ويسوف التوبة حتى يطبع على قلبه فلا يقبل الخير ولا يميل إليه وعن الحسن: الذنب بعد الذنب حتى يسودّ القلب، يقال ران عليه الذنب وغان عليه رينا وغينا والذين الغيم ويقال ران فيه النوم رسخ فيه ورانت به الخمر ذهبت به.
قلت: و{ران} يائية وواوية وهي هنا يائية، يقال: ران يرين رينا وريونا الشيء فلانا وعليه وبه: غلب عليه تقول: ران هواه على قلبه أي غلب عليه ورانت نفسه: خبثت وغشت وران الموت عليه وبه ذهب ورين به: وقع فيما لا يستطيع الخروج منه ولا طاقة له به ومات ووقع في غم وأران إرانة القوم هلكت ماشيتهم فهم مرينون والران حذاء كالخف إلا أنه أطول منه والرّينة: الخمر لغلبتها على العقل.
أما الواوية فيقال: ران يرون رونا من باب دخل الأمر: اشتد ورانت الليلة اشتد هولها أو غمّها والرّون بضم الراء المشددة الشدة والجمع رءون ورونة الشيء بالضم معظمه وشدته يقال كشف اللّه عنك رونة هذا الأمر أي شدّته وغمته والأرونان الصعب ويقال الأرونان والأروناني الشديد في كل شيء من حرّ وبرد وجلبة وصياح وحزن وفرح ومؤنثه أرونانة وأرونانية.
{عِلِّيُّونَ} قال الزمخشري: و{عليون} علم لديوان الخير الذي دوّن فيه كل ما عملته الملائكة وصلحاء الثقلين منقول من جمع على فعيل من العلو كسجين من السجن سمي بذلك إما لأنه سبب الارتفاع إلى أعالي الدرجات في الجنة وإما لأنه مرفوع في السماء السابعة حيث يسكن الكروبيون تكريما له وتعظيما.
وعبارة أبي حيان: {عليون} جمع واحده على مشتق من العلو وهو المبالغة قاله يونس وابن جنّي قال أبو الفتح وسبيله أن يقال عليّة كما قالوا للغرفة عليّة فلما حذفت التاء عوّضوا منها الجمع بالواو والنون وقيل هو وصف للملائكة فلذلك جمع بالواو والنون، وقال الفراء: هو اسم موضوع على صيغة الجمع ولا واحد له من لفظه كقوله عشرين وثلاثين والعرب إذا جمعت جمعا ولم يكن له بناء من واحده ولا تثنية قالوا في المذكر والمؤنث بالواو والنون، وقال الزجّاج أعرب هذا الاسم كإعراب الجمع هذه قنسرون ورأيت قنسرين وقال ابن هشام في بحث ما ألحق بجمع المذكر السالم.
والرابع ما سمي به من هذه الجمع وما ألحق به كـ: {عليون} أي فإنه ملحق بهذا الجمع ومسمى به أعلى الجنة، وقال الراغب: قيل هو اسم أشرف الجنان كما أن سجين هو أشرف النيران وقيل بل ذلك في الحقيقة اسم سكانها وهذا أقرب إلى العربية إذا كان هذا الجمع يخصّ الناطقين والواحد على ومعناه أن الأبرار في جملة هؤلاء.

.الإعراب:

{كَلَّا بَلْ رانَ على قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ} {كلا} حرف ردع وزجر للمعتدي الأثيم عن ذلك القول الباطل وتكذيب له فيه، و{بل} حرف عطف وإضراب و{ران} فعل ماض مبني على الفتح و{على قلوبهم} متعلقان بـ: {ران} و{ما} فاعل وجملة {كانوا} لا محل لها لأنها صلة و{كان} واسمها وجملة {يكسبون} خبر {كانوا}.
{كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يومئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} {كلا} حرف ردع وزجر أيضا عن الكسب الرائن على قلوبهم وإن واسمها و{عن ربهم} متعلقان بمحجوبون و{يومئذ} ظرف أضيف إلى مثله متعلق بمحجوبون أيضا ومحجوبون خبر إن والتنوين في إذ عوض عن جملة تقديرها يوم إذ يقوم الناس، وسيأتي معنى قوله: {لمحجوبون} في باب البلاغة.
{ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الجحيم} {ثم} حرف عطف لتراخي الرتبة فإن صلي الجحيم أشد من الإهانة والحرمان من الرحمة والكرامة، وإن واسمها واللام المزحلقة وصالوا الجحيم خبر إن.
{ثُمَّ يُقال هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} {ثم} حرف عطف للترتب والتراخي أيضا ويقال فعل مضارع مبني للمجهول ونائب لفاعل مستتر تقديره هو و{هذا} مبتدأ و{الذي} خبره وجملة {كنتم} صلة وكان واسمها و{به} متعلقان بـ: {تكذبون} وجملة {تكذبون} خبر {كنتم}.
{كَلَّا إِنَّ كتاب الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ} {كلا} تأكيد للردع ووجوب الارتداع وإن واسمها واللام المزحلقة وفي عليين خبرها وعلامة جر {عليين} الياء نيابة عن الكسرة لأنه ملحق بجمع المذكر السالم والواو حرف عطف و{ما} اسم استفهام مبتدأ وجملة {أدراك} خبر و{ما} اسم استفهام للتفخيم والتعظيم مبتدأ و{عليون} خبر وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة لأنه ملحق بجمع المذكر السالم والجملة المعلقة بالاستفهام سدّت مسدّ مفعول {أدراك} الثاني.
{كتاب مرقوم يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} {كتاب} بدل من {عليون} أو خبر لمبتدأ محذوف وهو الأولى و{مرقوم} نعت لـ: {كتاب} وجملة {يشهده} نعت ثان والهاء مفعول به و{المقربون} فاعل.
{إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ على الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ} كلام مستأنف مسوق للشروع في محاسن أحوالهم، وإن واسمها واللام المزحلقة وفي نعيم خبرها و{على الأرائك} متعلقان بـ: {ينظرون} وجملة {ينظرون} حالية من الضمير المستكن في خبر إن أو مستأنفة والمراد بـ: {الأرائك} السرر في الحجال والحجال كما يقول الجوهري جمع حجلة بالتحريك واحده حجال العروس وهو بيت يزيّن بالثياب والأسرّة، وقال الشهاب: الحجلة بفتحتين بيت مربع من الثياب الفاخرة يرخى على السرير يسمى في عرف الناس بالناموسية أي الكلة.
{تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} كلام مستأنف مسوق لإيذان المخاطب بالالتفات إليهم والتأمل في آثار النعيم على وجوههم وقرئ بالبناء للمجهول فتكون {نضرة النعيم} نائب فاعل و{في وجوههم} متعلقان بـ: {تعرف} و{نضرة النعيم} مفعول به.
{يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ ختامه مسك وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ} {يسقون} فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل و{من رحيق} متعلقان بـ: {يسقون} و{مختوم} نعت، أي خمر خالصة من كل شائبة أو غش، و{ختامه مسك} مبتدأ وخبر والجملة نعت ثان لـ: {رحيق} والظاهر أن الرحيق ختم عليه لتوفير النظافة والرائحة المسكية كما فسّره بعد.
وفي الصحاح: الختام الطين الذي يختم به وكذا قال مجاهد وابن زيد ختم إناؤه بالمسك بدل الطين قال:
كأن مشعشعا من خمر بصرى ** نمته البحت مشدود الختام

والواو حرف عطف و{في ذلك} متعلقان بقوله: {فليتنافس} والفاء عاطفة لزيادة الاهتمام واللام لام الأمر ويتنافس فعل مضارع مجزوم باللام و{المتنافسون} فاعل.
وفي المختار: ونفس الشيء من باب ظرف صار مرغوبا فيه ونافس في الشيء منافسة ونفاسا بالكسر إذا رغب فيه على وجه المباراة في الكرم وتنافسوا فيه أي رغبوا.
{وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} الواو عاطفة و{مزاجه} مبتدأ و{من تسنيم} خبر وهو علم لعين بعينها سميت بالتسنيم الذي هو مصدر سنمه إذا رفعه لأنها تأتيهم من فوق على ما روي أنها تجري في الهواء فيشربونها صرفا للمقربين وممزوجة لسائر أهل الجنة وقيل سميت بالتسنيم لأنها أرفع شراب في الجنة، و{عينا} منصوب على المدح بفعل محذوف تقديره أمدح، وقال الزجّاج: نصب على الحال من {تسنيم} بوصفها علما، قال أبو البقاء: وقيل تسنيم مصدر وهو الناصب {عينا}.
وقال الأخفش يسقون عينا.
وجملة {يشرب} نعت {عينا} و{بها} متعلقان بـ: {يشرب} أي منها على أن التضمين في الحرف أو يكون التضمين بالفعل أي يلتذ بها، و{المقربون} فاعل {يشرب}.
{إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} كلام مستأنف مسوق لتسلية المؤمنين وتقوية قلوبهم بما أعدّ للأبرار في الجنة. وإن واسمها وجملة {أجرموا} لا محل لها لأنها صلة {الذين} وجملة {كانوا} خبر إن وكان واسمها و{من الذين} متعلقان بـ: {يضحكون} وجملة {يضحكون} خبر {كانوا} فقد كان مشركو مكة كأبي جهل والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وأشياعهم يضحكون من عمار وصهيب وخباب وبلال وغيرهم من فقراء المؤمنين ويستهزئون بهم.
وقيل جاء علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه في نفر من المؤمنين فسخر منهم المنافقون وضحكوا وتغامزوا ثم رجعوا إلى أصحابهم فقالوا رأينا اليوم الأصلع فضحكوا منه.
{وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ وَإِذَا انقلبوا إِلى أَهْلِهِمُ انقلبوا فكهين} الواو عاطفة و{إذا} ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط متعلق بـ: {يتغامزون} وجملة {مروا بهم} في محل جر بإضافة الظرف إليها وجملة {يتغامزون} لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم وإذا ظرف مستقبل أيضا وجملة {انقلبوا} في محل جر بإضافة الظرف إليها و{إلى أهلهم} متعلقان بـ: {انقلبوا} وجملة {انقلبوا} لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم و{فكهين} حال أي معجبين وقرئ {فاكهين} أي فرحين ناعمين.
{وَإِذا رَأَوْهُمْ قالوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ} الواو عاطفة أيضا و{إذا} ظرف مستقبل وجملة {رأوهم} في محل جر بإضافة الظرف إليها وجملة {قالوا} لا محل لها والضمير المرفوع عائد على المؤمنين والمنصوب على المجرمين أي إذا رأى المؤمنون المجرمين ينسبونهم إلى الضلال ويجوز العكس، وإن واسمها وخبرها والجملة مقول قولهم.
{وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ} الواو حالية والجملة حال من الواو في {قالوا} و{ما} نافية و{أرسلوا} فعل ماض مبني للمجهول والواو نائب فاعل و{عليهم} متعلقان بـ: {حافظين} و{حافظين} حال.
{فَالْيوم الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ على الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ} الفاء عاطفة للتفريع واليوم ظرف متعلق بـ: {يضحكون} و{الذين} مبتدأ وجملة {آمنوا} صلة و{من الكفّار} متعلقان بـ: {يضحكون} أيضا وجملة {يضحكون} خبر {الذين} و{على الأرائك} متعلقان بـ: {ينظرون} وجملة {ينظرون} حالية من الضمير في {يضحكون} أي يضحكون حال كونهم ناظرين إليهم وإلى ما هم فيه من التردّي والهوان.
{هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ} الجملة مقول قول محذوف أي يقولون هل ثوب وأجازوا أن تكون الجملة معلقة بالاستفهام في محل نصب بنزع الخافض و{ثوب} فعل ماض مبني للمجهول و{الكفار} نائب فاعل و{ثوب} هنا بمعنى الجزاء أي هل أثيبوا أو هو من ثاب بمعنى رجع لأن الثواب هو ما يرجع على الإنسان في مقابل عمله و{ما} في موضع نصب مفعول به ثان وجملة {كانوا} صلة {ما} وجملة {يفعلون} خبر {كانوا}.
قال أوس:
سأجزيك أو يجزيك عنّي مثوب ** وحسبك أن يثني عليك وتحمدي

.البلاغة:

في قوله: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يومئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} تمثيل للاستخفاف بهم وإهانتهم لأنه لا يؤذن على ذوي العلية والمراتب السامية إلا للمقربين المكرمين لديهم ولا يحجب عنهم إلا الأدنياء الموسومون بالمهانة والقماءة والصغار، وقد رمق أبو تمام سماء هذا المعنى فقال مبررا احتجاب المعتصم عن الرعية:
ليس الحجاب بمقص عنك لي أملا إن السماء ترجى حين تحتجب. اهـ.

.قال أبو البقاء العكبري:

سورة التطفيف:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قوله تعالى: {كالوهم} (في) هم وجهان: أحدهما هو ضمير مفعول متصل، والتقدير: كالوا لهم، وقيل هذا الفعل يتعدى بنفسه تارة وبالحرف أخرى، والمفعول هنا محذوف: أي كالوهم الطعام ونحو ذلك، وعلى هذا لا يكتب كالواو وزنوا بالألف والوجه الثاني أنه ضمير منفصل مؤكد لضمير الفاعل، فعلى هذا يكتبان بالألف.
قوله تعالى: {ألا يظن} الأصل لا النافية دخلت عليها همزة الاستفهام، وليست ألا التي للتنبيه، لأن ما بعد تلك مثبت، وهاهنا هو منفى.
قوله تعالى: {يوم يقوم الناس} هو بدل من موضع الجار والمجرور، وقيل التقدير: يبعثون يوم يقوم الناس، وقيل التقدير: أعنى، وقيل هو مبنى وحقه الجر أو الرفع، والنون في {سجين} أصل من السجن وهو الحبس، وقيل هو بدل من اللام.
قوله تعالى: {كتاب} أي هو محل كتاب لأن السجين مكان، وقيل التقدير: هو كتاب من غير حذف، والتقدير: وما أدراك ما كتاب سجين.
قوله تعالى: {ثم يقال} القائم مقام الفاعل مضمر تفسره الجملة بعده، وقيل هو الجملة نفسها، وأما {عليون} فواحدها على وهو الملك، وقيل هو صيغة للجمع مثل عشرين، وليس له واحد، والتقدير: عليون محل كتاب، وقيل التقدير: ما كتاب عليين، و{ينظرون} صفة للابرار ويجوز أن يكون حالا، وأن يكون مستأنفا، وعلى يتعلق به، ويجوز أن يكون حالا إما من الضمير في المجرور قبلها، أو من الفاعل في {ينظرون}.
قوله تعالى: {عينا} أي أعنى عينا، وقيل التقدير: يسقون عينا: أي ماء عين وقيل هو حال من {تسنيم}، و{تسنيم} علم، وقيل {تسنيم} مصدر، وهو الناصب عينا، و{يشرب بها} قد ذكر في الإنسان.
قوله تعالى: {هل ثوب} موضع الجملة نصب بـ: {ينظرون}، وقيل لا موضع له، وقيل التقدير: يقال لهم هل ثوب، والله أعلم. اهـ.